التطور البيولوجي والتطور الميميائي

التطور البيولوجي والتطور الميميائي

الخميس، 7 يناير 2010

باربي وبناتها مثال لمماثلة التطوّر الثقافي بالتطوّر البيولوجي من وجهة نظر الميمياء أي النظرية التطوّرية في تفسير الثقافة.


أدخل داوكينز مفهوم الميمة (mème) في كتاب "الجينة الأنانية" (Le Gène égoïste)، واقترح استخدامه في تفسير التطوّر الثقافي، بالمماثلة مع مفهوم الجينة (gène) الذي يفسّر التطوّر الجينيائيّ (évolution génétique). الجينة والميمة هما متناسخان أنانيان (réplicateurs égoïstes) بمنظور داوكينز، قادران على نسخ المعلومات التي يتضمّنها كلّ منهما في نسخة مماثلة. تعتمد المقاربة الميميائيّة على النظريّة التطوّريّة في تفسير الظواهر الثقافيّة، فهي تستمدّ جذورها من النظرية الداروينيّة (darwinisme)، وتسعى إلى تفسير الثقافة بمصطلحات مستعارة من النظرية الجينيائيّة.
تبرز أنواع جديدة بيولوجياً عندما يظهر اختلاف عند بعض أفراد النوع، فلا يسمح لهؤلاء بالتكاثر مع أفراد النوع الآخرين. فينعزلون ويشكّلون جماعة فرعية تُنتج في ما بعد نوعاً جديداً. نتناول في هذه المقالة مثال تفرّع نوع ميمي عن نوع أصلي من خلال تطوّر ميمة "باربي". ففي التطوّر الميميائي كما في التطوّر البيولوجي، تتضخّم الإختلافات الضئيلة التي تميّز فريقاً من النوع، نتيجة لتفاعله الخاص مع البيئة. ينتج عن ذلك ردات فعل تؤثر بدورها على البيئة التي يعيش فيها هذا الفريق. فيظهر نوع جديد أكثر ملاءمة مع هذه البيئة، ليشكّل بالتالي نوعاً جديداً قادراً على إنتاج ذرية خاصة به. في التطوّر الميميائي أمثلة عديدة عن هذا النوع من التفرّع وما تطوّر ميمة باربي إلا مثال على ذلك. فهذا المثال البسيط يوضّح لنا كيف تطوّرت ميمة معينة تدريجياً بعد أن سادت فترة طويلة من الزمن. ففي ظلّ ضعوط انتخابية فرضتها البيئة المحيطة، أدى تطوّر هذه الميمة إلى تفرّع في النوع (spéciation) فَصَلها جذرياً عن النوع الأصلي. يتناول هذا المثال تطوّر ميمة سادت في أذهان الفتيات المراهقات، وتجسّدت في الدمية المعروفة باسم "باربي" (Barbie).
احتلت "باربي" مكانة مهمّة عند المراهقات العربيات، على غرار ما حصل مع الفتيات الغربيّات. أما اليوم، فقد خفتت سطوتها في الدول العربية، واحتلّت مكانها الدميّة التي تعكس القِيًم الإسلامية. فتراجعت "باربي"، من واجهات متاجر بيع ألعاب الاطفال في سوريا ومصر وسائر الدول العربية، في الآونة الاخيرة، بينما انتشرت الدمية "فُلّة" المحتشمة والتي تلائم قِيَم الفتاة المسلمة في واجهات هذه المحال.
ولدت "باربي" سنة 1959 في أميركا وصمّمتها شركة ماتل (Mattel)، كما شارك في تصميمها كل من جاك ريان (Jack Ryan) وبيل بارتون (Bill Barton).

أشكال باربي الحديثة
أما قريبتها "فُلّة" فقد ولدت في سوريا عام 2003 على يد شركة نيوبوي ديزاين استديو (New Boy Studio). تشبه "فُلّة" "باربي" في طولها وحجمها، ولكنها تختلف عنها في لون شعرها الداكن وعينيها العسليتين، وزيّها المحتشم. فهي ترتدي عباءة سوداء أو معطفاً وحجاباً أبيض أو خماراً فضفاضاً للصلاة. بالرغم من اختلاف الدميتين في المظهر، فإنهما تُصنّعان في الصين. حقّقت "باربي" أرباحاً طائلة على مدى نصف قرن من الزمن، إذ بيع منها 650 مليون نسخة حتى سنة 1996 في جميع أنحاء العالم. أما "فلّة" العربية، فقد بيع منها مليونا نسخة خلال ثلاث سنوات في العالم العربي . ولـ"باربي" خزانة ثياب متنوعة وأدوات مكملة، كذلك لـ"فلّة" خزانة ثياب غنيّة. ثياب "باربي" مثيرة، فهي تتراوح بين أثواب السهرة والسراويل ولباس البحر، تستطيع أن تخلعها وتبدلها كما تشاء. أما ثياب "فلّة"، فهي محتشمة وتتألف من ثياب السهرة طويلة الأكمام والمسدلة حتى الكاحل، ومن العباءات والثياب الشرعيّة وثياب الصلاة.

فلة أو "باربي المسلمة"
تستطيع "فلة" أيضاً تبديل ثيابها متى تشاء، لكنها لا تستطيع خلع ثيابها الداخلية فهي ملتصقة بجسمها. ترجع جذور فكرة ابداع دمية عربية وإسلامية في سوريا الى عام 1999. ولم تتحقّق هذه الفكرة إلا في نوفمبر 2003 حين طرحت هذه الدمية في الأسواق العربية. فحققت انتشاراً سريعاً في كلّ من سوريا ومصر والاردن وقطر. يقول فواز عابدين، مدير تسويق الدمية "فلة" في شركة نيوبوي ديزاين استديو:
"تطلّب الموضوع دراسات على مدى أربع سنوات حتى طوّرنا شكل الوجه وشكل الجسم وشكل اللباس، وأصبحت "فلّة" على ما هي عليه ... وفي عام 2006 سيكون لفلة اخ واخت هما "بدر" و"نور"، ونعمل الان على تطوير فلة المدرِّسة وفلة الطبيبة."
أما محمد صباغ، مدير متجر سبيس تون في دمشق، فيَردّ النجاح الذي حققته الدمية في الاسواق إلى ان غالبية العائلات في المنطقة العربية تستطيع التعرّف على القيم الاسلامية التي تحملها "فلّة":
"هي الأولى في المبيعات في الشرق الاوسط، أنا اتمناها أن تكون أختي وامي، وهي قريبة من كل أم وكل بنت وكل عائلة وكل أب، فاصبحت نسبة المشتريات لها أكبر بكثير."
كذلك يعتبر روان بقاعي من دمشق أن:
"باربي تمثّل أمريكا وعادات أهلها اما فلة فهي تمثل عاداتنا وتقاليدنا"
بينما تعترف الأم هدى الأصبحي من دمشق:
"أفضل ان اشتري فلة لأن نمطها ووجهها ولبسها واكسسوارتها كلّها عربية مأخوذة منّا."
تتجلّى القِيَم الاسلامية التي تحملها "فلّة" في الملابس المحتشمة التي تباع ككماليات معها، فتباع الدمية مع سجادة صلاة وردية ومسبحة. والبنات اللواتي يرغبن في تقليد فلّة يستطعن شراء ما يناسبهن، من ثياب وسجادة صلاة وغطاء للرأس مصنوع من القطن. يَعْكس رواج "فلّة" عودة القِيَم الاسلامية والمحافظة إلى انحاء العالم العربي. فوسائل الإعلام تشدّد على هذه القيم، وتعرض "فلّة" في شريط دعائي تلفزيوني كفتاة مهذبة تطيع والديها وتحترمهما.


"فلة" بلباس الصلاة
كانت مسألة إنتاج دمية عربية على غرار "باربي" الأمريكية قد نوقشت مرات عدة في اجتماعات جامعة الدول العربية والإدارة العامة للشؤون الاجتماعية والثقافية في الجامعة، وطرحت فيها أفكار كثيرة وأسماء عدة للدمية العربية، لا سيّما بعد أن صممت شركة ماتل نسخة لـ"باربي" محجبة حجاباً عصرياً. وسعى المجتمعون إلى إقناع رجال الأعمال العرب بإنتاج "باربي عربية" على غرار الأمريكية.

باربي المحجبة حجاباً حديثاً
أما في إيران، فقد ولدت سنة 2002 نسخة أخرى عن باربي أسمها "رزان" وجاءت "فلّه" شبيهة لشقيقتها الإيرانية.

رزان الدمية المسلمة الأولى المنافسة لباربي
كانت إيران وقبل انتاج الدمية "رزان"، قد أصدرت نسخة أولى عن "باربي"، أطلقت عليها اسم "سارة"، ولكنها لم تكن محجبة حجاباً شرعياً، بل تكتفي بوضع غطاء ينسدل من الرأس ليلفّ جسمها. تعتبر "سارة" النسخة الأولى التي انعزلت عن "باربي" وهي نسخة وَسَطية بين "باربي" و"رزان". نُقلت سِمات "سارة" عن سِمات الفتيات الإيرانيات، ففمها دقيق وعيناها داكنتان واسعتان. لـ"سارة" عائلة كاملة مؤلفة من أب وأم وأخ يدعى "دارة". لاقت الدمية الإيرانية "سارة" رواجاً في السوق الإيرانية وحقّق منتجوها أرباحاً كبيرة تقدّر بملايين الدولارات ، وتداولت مواقع الانترنت اسمها كنسخة إيرانية للدمية "باربي".

"سارة" نسخة إيرانية أولى عن "باربي"
مع بداية طرح "فلّة" في أسواق دول الخليج، كانت ترتدي العباءة التقليدية السوداء الطويلة، التي تغطيها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها باستثناء الوجه. لكن عند طرحها في السوق المصرية، جرى ادخال تعديلات على لباسها ليتلاءم "مع الذوق العام" فجرى تحديثها على حدّ قول "أحمد" البائع في متجر دمى في "سيتي ستارز" أكبر مركز تجاري في القاهرة . فمع تزايد عدد المحجبات في مصر، تحقّق الدمية المحجبة "فلة" السمراء تفوّقاً على نظيرتها الشقراء "باربي" . ويعتبر طارق محمد رئيس المبيعات في متجر كبير لبيع ألعاب الاطفال في حي المهندسين، أن "فلة تباع اكثر لأنها قريبة من قِيَمنا الشرقية، فهي لا تكشف ابدأً عن ساقيها أو ذراعيها". فخلف العباءة، يمكن رؤية "فلّة" الممشوقة القوام مثل "باربي"، ترتدي جينز وتي شيرت ملتصقة بجسمها إسوة بما ترتديه حالياً الفتاة المصرية التي غالباً ما يكون حجابها متعدّد الألوان.

"فلة" بثياب البيت "فلة" بثياب الخروج

أصبح لـ"فلة" حالياً صديقتان هما "ياسمين" و"ندى" مع لون شعر أفتح من شعرها لإرضاء الصغيرات اللواتي يشعرن بالحنين للشقراء "باربي". غير أنه ما مِن رديف لـ"كين" صديق "باربي"، وذلك لأن وجود "صديق" لفلة لا يتّفق مع أخلاقيات المجتمعات العربية.

"ياسمين" صديقة "فلة" ذات الشعرالأشقر "ندى" صديقة "فلة" ذات الشعر الكستنائي
لم تكن "فلّة" المنافسة الوحيدة لـ"باربي"، فهناك الدمية "براتز" (Bratz) الإنكليزية ذات الرأس الكبير والعينين الواسعتين التي تصدرت مبيعات الدمى في المملكة المتحدة مزيحة الدمية الشقراء عن عرشها الذي احتفظت به لعقود. تقول صحيفة "الديلي نيوز" (Daily News) في عددها الصادر تاريخ 6 آب 2005 أن "براتز" التي ظهرت في الأسواق قبل ثلاثة أعوام، "نجحت خلال هذه الفترة في جعل مدينة الدمى تترنّح"، فقد حقّقت هذه الدمية مبيعات وصلت إلى 5.2 مليار دولار سنوياً، فيما لم تتعدَّ مبيعات "باربي" بإصدراتها الثمانية والاربعين المختلفة 6.3 مليار دولار. الدمية "براتز" لا تبتسم، ويبدو انها تناسب الاطفال من سن 7 إلى 12 سنة وهي "متجهمة بعنف وتضمر ملامحها شراً دفيناً". ويقدر الأطفال عمرها بحوالي اثنتي عشرة سنة تقريبا. إنها أقصر قامة من الدمية "باربي". شكلت مبيعات "براتز" نسبة 45 في المائة في سوق الدمى البريطانية خلال الشهر تموز 2005 وتصدّرت قائمة المبيعات متربعة على عرش "باربي". كذلك بدأت الدمية "براتز" تنافس "باربي" في أميركا .

"براتز" الإنكليزية
إنّ النسخة اليابانية للدمية "باربي" مثيرة للإهتمام. فقد صمّمت شركة ماتل "باربي" يابانية تشبه الفتيات اليابانيات، إذ أن اليابان هو البلد الوحيد الذي أجبر "باربي" على تغيير ملامحها المعروفة. ولكن دراسات السوق اليابانية تشير حالياً إلى تزايد إمكانية قبول "باربي" يابانية شبيهة بمثيلتها الأمريكية، نتيجة للتحوّل الذي طرأ على موقف اليابانيين من البضائع الاستهلاكية الغربية.


أشكال باربي اليابانية المختلفة
لا بدّ أن نشير هنا إلى أن "باربي" هي نسخة مقلّدَة، فقد استوحيت من دمية تدعى "ليللي" كانت تباع في ألمانيا عام 1950.

ليلي الألمانية 1955
وهي النسخة الأصلية التي نقلت عنها "باربي"
لم تبقَ "باربي" كما كانت سنة 1959 حين ظهرت إلى الواجهة، فقد تطوّرت مع الزمن وتتالت نسخها وتعدّدت إصداراتها لتناسب أذواق ومناسبات عديدة، واكتظت بها محال الدمى الفاخرة. وبغية زيادة نسبة مبيعاتها وتأمين انتشارها بالشكل الأفضل، اضطرت بعض المحال إلى تخفيض أسعارها إلى نحو تسعة دولارات . وقد انطلقت في السبعينيات نسخة جديدة عملاقة يصل طولها إلى 45 سم وهي تشبه عارضات الأزياء، وتعكس انتشار صناعة الموضة وتأثير مجلات الأزياء. لكن هذه النسخة لم تستطع الإنتصار على "باربي" الأصلية فتراجعت وبقيت النسخة الأصلية البالغ طولها 29 سم الأكثر رواجاً.
أستطاعت "باربي" عند ظهورها سنة 1959 إقصاء "لوليتا" الدمية الأميركية التي أطلقت سنة 1955 وأنتشرت لمدة أربع سنوات. و قد يعكس هذا الإقصاء التغيير الذي حصل في مكانة الفتيات في المجتمع الأميركي لجهة اندماجهن الإجتماعي، فقد كانت "لوليتا" تشبه الدمية الطفلة فيما تمثّل "باربي" الدمية المرأة.
يتبيّن لنا مما سبق أن الدمية "باربي" التي عرفت انتشاراً عالمياً بقيت مسيطرة على سوق دمى الفتيات لفترة طويلة من الزمن بالرغم من وجود أنسالها (clones) المتعددة. لم تتعرّض للمنافسة الفعلية إلا في السنوات الأربع الأخيرة. فإذا اعتبرنا أن الدمية "باربي" هي تجسيد لميمة غزت أذهان الفتيات الصغيرات والمراهقات منذ ما يقارب الخمسين عاماً، واستطاعت أن تبقى على قيد الحياة طوال هذه الفترة، فإنها بلا شكّ تتوافق مع التصوّرات الذهنية التي تتمتع بها الفتيات في هذا العمر، وتتوفّر فيها معايير نجاح تناسخ الميمة. فهي بالنسبة إلى المعايير الذاتية، تتمتع بكل العناصر الضرورية، أي التجديد والبساطة والتجانس والمنفعة. فقد عرفت باربي تجديداً مستمراً منذ تاريخ إطلاقها سنة 1959 إلى يومنا هذا.

باربي سنة 1959 أشكال باربي اليوم
أما بساطتها، فتكمن في إمكانية دخولها إلى أذهان الفتيات اللواتي يرغبن في التماهي بها وتقليدها، فتُسهِّل المجموعة المكملة لـ"باربي"، من ثياب وأدوات وألعاب التي تستطيع الفتيات شراءها وارتدائها أو اللعب بها، عملية التماهي. أما التجانس، فيؤمنه تلاؤمها مع التطوّرات الحاصلة في البلاد التي تنتشر فيها. فقد تحولت "باربي" من فتاة مراهقة، إلى فتاة عاملة إلى عارضة أزياء إلى نجمة سينمائية، لتوافق أحلام الفتيات المراهقات في المجتمع الغربي وحول العالم. فصنعت منها نماذج عدة تلائم المجتمعات التي أدخلت عليها، وأوضح مثال على ذلك "باربي" اليابانية و"باربي" الأفريقية و"باربي" العربية ذات الحجاب الحديث.

باربي الأفريقية
وهي نافعة لأنها تشكّل هدية للفتيات في معظم الأعياد وتعتبر من أكثر الهدايا إرضاءً لهن.
بالنسبة إلى المعايير الموضوعية، تعتبر ميمة الدمية "باربي" من أكثر ميمات الدمى رسوخاً في الزمن وقابلية للمراقبة، إذ أن مصمميها لم يتوانوا عن تطويرها وفقاً لتغيّر العادات والقيم الإجتماعية في البلدان التي تُطْرَح فيها. أما بالنسبة إلى معايير التفاعل بين الأفراد، فقد تأمنت لها دعاية هائلة، إذ تندر مصادفة فتاة لم تسمع بالدمية "باربي". كذلك ساهمت شبكة الأنترنت في انتشارها، فنجد 40200 موقعاً يتناول موضوع باربي بواسطة محرّك البحث غوغل باللغة الفرنسية مع رأس الموضوع ("barbie poupée")، فضلاً عن مليون وثماني مئة وأربعين موقعاً بواسطة غوغل باللغة الأنكليزية مع رأس الموضوع ("barbie doll"). أما المعايير المرتكزة إلى الميمة، فتتجّسد في عدم التسامح مع منافساتها، إذ يصدر مصمّم "باربي" وفريق عمله على الدوام التقارير التي تنفي تصدُّر أنسالها المبيعات .
يتيح لنا هذا المثال إجراء مماثلة أولية بين التطوّر الميمي والتطوّر البيولوجي. فميمة باربي ولدت من ميمة سابقة هي "لليلي" الألمانية واستطاعت أن تلغي منافستها الأولى "لوليتا". وأنتجت "باربي" ذرية واسعة من جميع الجنسيات ولم تتعرّض للمنافسة الفعلية في أوروبا وأميركا إلا في الفترة الأخيرة بعد أن أطلقت "براتز" الأنكليزية. وبعد أن طُرحت "فلّة" وشقيقتها "رزان" المتمتعتان بالقيَم الإسلامية، في الأسواق العربية. فاعتُبِرَت هاتان النسختان بمثابة انشقاق جذري عن الأصل، يُقابلُه في التطوّر البيولوجي ما يُعرف بالتفرّع في النوع (spéciation). يحدث هذا التفرّع البيولوجي عندما يُظهر بعض أفراد النوع تغيّراً في فترة التكاثر وفي عرض الإشارات الجنسية، مما يؤدي إلى انعدام التلاقح بين الأفراد المنشقين وباقي أفراد الجماعة. فتتشكّل جماعتان تتقاسمان الحيّز البيئي ذاته وتظهران تباعداً تكاثرياً. تتطوّر بالتالي كل جماعة بمعزل عن الأخرى، مما يؤدي إلى تفرع النوع الأصلي إلى نوعين مختلفين تماماً. فبالمماثلة مع التطوّر البيولوجي، تعتبر "سارة" الإيرانية تفرّع لـ"باربي"، استطاع أن ينتج ذرية خاصة به، أي "رزان" و"فلّة"، ويشكّل نوعاً جديداً مختلفاً تماماً عن الأصل. يكمن هذا الأختلاف في نقاط عدة: لا يحقّ لـ"فلّة" أن ترتبط بعلاقة مع من يحلّ محل "كين" صديق "باربي"، ولا يحقّ لها القيام بأعمال غير التدريس والطب، بينما تستطيع "باربي" ممارسة كل المهن. كذلك لا تستطيع "فلة" أن تنزع ثيابها بالكامل، بل هي محتشمة في ثياب داخلية ملتصقة بها.
يعتبر تطوّر ميمة "باربي" تطوّراً هجيناَ أي دارويني ولاماركي في آن واحد. فهو تطوّر دارويني لكونه خضع لقوانين الإنتخاب التي أملتها البيئة الإجتماعية المتمثلة في تغيّر العادات وفي موقع الفتاة في المجتمع، وأدى إلى تكاثر النوع الأكثر صلوحيّة في بيئة معينة. وهو لاماركي، لأن الخصائص المكتسبة المتمثلة في النسختين الوَسَطيين، "سارة" الإيرانية و"باربي" ذات الحجاب الحديث، أستطاعت أن تنتقل إلى ذرية طوّرت بدورها خصائص مميّزة لها. فجاءت بنات "سارة" "رزان" و"فلة" تتمتعان ببعض خصائصها وتتميزان أكثر فأكثر عن النسخة الأصلية باربي. لم تتوقف ذرية سارة عند "فلة" بل تلتها "سلمى" الاندونيسية و"إليف" التركية. وأشيع ظهور باربي طالبان في الفترة الاخيرة.

"سلمى" الأندونيسية أشكال "إليف" التركية باربي طالبان

يلخّص الرسمان التاليان شجرة عائلة الدمية "باربي"، وكيفية تطوّرها، بإقصاء من سبقها أي من لم يتمتع بصلوحية كافية، ليتفرّع نوع جديد عنها أكثر صلوحية في بيئة معيّنة.

شجرة عائلة باربي

شجرة عائلة باربي بالصور
لا بدّ للميمة، كي تنجح في التناسخ والانتشار أن تسود في جيل معين، مما يسهّل انتقالها إلى الجيل اللاحق الذي تؤمنه الدعاية المكثّفة. وهذا ما حصل تماماً مع "رزان" و"فلّة"، إذ تناولت وسائل الإعلام من صحف وقنوات تلفزيونية ومواقع انترنت خبر ولادتهما بشكل مركّز، فعرضت القناة الثانية الفرنسيّة في أخبارها تقريراً مفصلاً عن ولادة "فلّة" وانتشار مبيعاتها في البلدان العربية، في 30 كانون الثاني 2006. كما تناولت صحيفة الفيغارو الخبر في عددها الصادر في 16 كانون الثاني 2006. وكذلك فعلت الصحف والقنوات التلفزيونية العربية التي نشرت الإعلانات المتكرّرة للدمية العربية. أما على شبكة الأنترنت، فهناك 12700 موقع يتناول موضوع فلّة الـ"باربي المسلمة" (« Fulla » Barbie musulmane) ، و69 موقعاً يعرض صوراً لها بواسطة محرّك البحث غوغل. أما "رزان"، فقد استحوذت على اهتمام كبير في شبكة الأنترنت، فهناك 11000 موقع يتناول موضوع "رزان" الدمية المسلمة و84 موقعاً يعرض صوراً لها. كذلك سلمى الاندونيسية فقد خصصت رويتر فيلماً قصيراً عن ولادتها وأمنت عدة مواقع انترنت دعاية للدمية "إلف" التركية. أنظر هذا الموقع
على العنوان الإلكتروني: http://sweetness-light.com/archive/koran-reciting-doll-replaces-barbie-in-turkey

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق